السيد عبد الستار الحسني، عالمٌ ومؤرخٌ وأديبٌ عربيٌ عبقري، تنفجر من عروقه دم الأصالة، وهو إنسانٌ من أنبل الناس وأكرمهم شيمة، كلما التقيته استفدت من علمه وأحببت حديثه، إذ يحمل في شخصيته الإشراق والدِعَة، وكم في ذلك من سمو الذات والعطاء الكبير فهو النابغة الموهوب الذي قضى حياته ولا يزال في خدمة العربية والتراث الإسلامي فأنتجَ عشرات الكتب والأبحاث الرصينة، ومَلَك ناصية اللغة الخصبة الخلَّاقة المطواع وأنشد ألحانها شعراً فاض بالحكمة وساحر البيان. ومع كلّ هذا فهو يبتعد عن الأضواء، وهذه الصفة الأخيرة ملازمة له منذ عرفته في بدايات السبعينيات من القرن الماضي، وقد تميَّز بهذه الخصلة عن بعض مَنْ تسلَّق سُلَّم الشهرة ومرّ في هذه الدنيا وليس في حقيبته الَّا الزبد.
ومثلما أحببت صفات الحسني السابقة وزهده وبساطته في العيش، فقد أعجبني شعره الذي لم يتخذ منه صناعة، لكنه يتغنى فيه بلا تكثُّر ولا تكلّف، متى ما يُواتيه طبعه الرقيق الذي اعتاد على الإخلاص والأريحية، مع شمم بالغ وعزة نفس محمودة، وفي ديوانه (صدى المشاعر) صور حيَّة تنعكس فيه روحيته الطاهرة الحافلة بمشاعره الصادقة المنبئة عن خلقه الرضي وخلوص نيته ووفائه.
والشعر لديه سهلٌ يسير، وهو حين ينطلق من لسانه الذلق، فيٌنشده بلفظٍ جَزِلٍ وأسلوب فخم وقافية صافية طيِّعة مكينة ممزوجةٍ بدفقةٍ شعوريةٍ تلقائيةٍ ساحرة، نتحسسها ونتلمسها في صدى مشاعره كتجربة إنسانية متدفقة من قلب فياض ونفس ملهمة، وسأظل أنا وغيري ممن كان لهم حظ من فنه وعبقريته نذكر هذا ونردده.
حفظ الله مهجة سيدنا الحسني وعقله المفكر ووجدانه اليقظ.